2013/05/07

رؤى الأفراد: اماني المأخذي جذور القضية الجنوبية



بسم الله الرحمن الرحيم
جذور القضية الجنوبية
مقدمة من (أماني احمد المأخذي)

المقدمة -
سنحاول في هذه الورقة أن نبين جذور القضية الجنوبية واصل بدايتها ومراحلها المختلفة , لأننا نعتقد أنه لا يمكن فهم هذه القضية وكذلك حلها إلا من خلال معرفة وفهم بدايتها ومسارها التاريخي المتجذر  وسنحرص على أن يكون عرضنا هنا محايداً ووصفنا مجرداً وذلك حتى يتسنى لنا التوصل إلى  حلول مستقبلية مبنية على أسس تشخيص موضوعية لضمان عدم التكرار .
ولتحديد بداية جذور القضية الجنوبية فيجب علينا أن نتفق على نقطة  تاريخية وأن كانت بعيدة ولكن يجب أن تكون تمثل نقطة البداية لمعانات ومشاكل الجنوبيين وهذا التوغل في عمق التاريخ لتحديد بداية جذور القضية الجنوبية ينسجم تماماً مع مصطلح ( الجذور ) ولهذا فإننا لا نختلف مع الأوراق التي سبق تقديمها في تحديد  نقطة البداية لجذور هذه القضية وهو العام  1967م لأن ما قبل هذا العام لم تكن هناك دولة واحدة للجنوب كما يعلم الجميع بل كانت هناك سلطنات ومشيخات تتجاوز في عددها العشرين .

ولهذا فإننا نعتقد أن الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير والذي أفضى إلى خروج جبهة التحرير من المعادلة السياسية مثل هذا الصراع بداية دورات التداول القسري للسلطة في الجنوب والذي أسس لثقافة الإقصاء وعدم القبول بالأخر المختلف ونمت هذه الثقافة وتأصلت في كل منعطفات الصراعات السياسية اللاحقة التي مر بها الجنوب .

هذا ما ساد في مراحل الصراع السياسي في الجنوب منذ  الاستقلال وحتى قيام الوحدة 1990م بداية بصراع الجبهة القومية والتحرير وعزل قحطان وفيصل الشعبي ,  مروراً بمرحلة السبعينات وتطبيق النهج الاشتراكي والتأميم وغيرها وبعدها خروج حسين عثمان عشال قائد الجيش وعبد الله سبعة قائد  الأمن العام وما ترتب عليها , تلاها  أحداث سالمين وما ترتب عليها وتلاها أحداث عبد الفتاح إسماعيل وما ترتب عليها , تلاها أحداث 13 يناير 86م وما ترتب عليها .
وكل هذه المنعطفات التي مر بها الجنوب طوال هذه المرحلة مثلت الجذور الحقيقية لمرحلة ما قبل الوحدة حيث أن ثقافة عدم الاعتراف بالأخر وعدم القبول به كانت السائدة والمتحكمة في سلوك وطريقة إدارة شئون البلاد لدى حكام الجنوب وإن تغيروا الأشخاص .

ترتب على هذه الثقافة خسارة الجنوب للآلاف من أبنائه ضحايا هذه الثقافة التي تحكمت في كل صراعات الجنوب الاْف  العسكريين آلاف المدنيين ألاف القيادات السياسية والكوادر المدنية .

مسار القضية بعد الوحدة اليمنية :
لقد أرتكب الحزب الاشتراكي اليمني خطأ تاريخي في حق الجنوب عندما قرر الدخول في الوحدة بدون مراجعة تاريخية لما حدث في الجنوب لأن هذا لو تم لنتج عنه مصالحه وطنية جنوبية شاملة تعالج على أثرها كل ما ترتب على صراعات الماضي في الجنوب ومن ثم الدخول في مشروع أعاده الوحدة اليمنية .

إلا أن الثقافة التي أشرنا إليها فيما سبق وهي ثقافة عدم قبول الأخر والإقصاء كانت المتحكمة في صنع القرار الجنوبي في الحزب الاشتراكي المحاور عن الجنوب في الدولة اليمنية الجديدة (دولة الوحدة ) .

وكان أبناء الجنوب التواقون للوحدة والمنهكون من صراعات الماضي يأملون بوحدة يمنية تلم شمل الأهل المشردين وتدخلهم إلى مستقبل أفضل كانوا الدعامة التي اتكأ عليها قادة الحزب في اتخاذ قرارهم بالسير في  مشروع أعاده توحيد اليمن.

فعندما يشترط قادة الحزب الاشتراكي الموقع على الوحدة عدم دخولهم صنعاء إلا بخروج قيادات جنوبية بعينها من صنعاء فهذا يؤكد أن ثقافة الإلغاء للأخر وصلت إلى حد التطرف  والغلو لممارسة الإذلال مع أخوانهم.

كما أن قادة الحزب الاشتراكي لم يحفظوا للجنوب في دولة الوحدة الوزن اللائق الذي يحفظ للجنوبيين حقوقهم ومكاسبهم ويعطي للوحدة اليمنية الوليدة أسباب النجاح والاستمرار , بل أنهم فرطوا في الجنوب وأبنائه ومكتسباته وذهبوا منفردين إلى وحدة اندماجية غير مدروسة رغم أن الرئيس السابق عرض عليهم عدة خيارات للوحدة إلا أنهم اختاروا الوحدة الاندماجية .

وحملوا إلى الوحدة كل  ملفات الجنوب التي اشرنا إليها ومظالم أبنائه في كل المنعطفات ولم يسعوا أو يقوموا بمعالجتها بل أنهم مارسوا الإقصاء مع كل قيادات وكوادر الجنوب الذين نزحوا قبل الوحدة إلى صنعاء في الجيش والأمن والقطاع المدني ويكفي الإشارة هنا إلى أن جميع ضباط وجنود وقادة القوات المسلحة والأمن من الجنوبيين الذين نزحوا بعد أحداث 86م وما قبلهم ظلوا خارج قوام القوات الرسمية لجيش الوحدة تحت مسمى ( مجموعة ب) كما أن حكومة الوحدة الائتلافية حينها لم يعطي الحزب الاشتراكي أخوانهم الجنوبيين إي مقعد حكومي وتم منح مقعد حكومي من حصة الشمال للفقيد/محمد علي هيثم رحمة الله .

عندما انتهت المرحلة الانتقالية وقامت انتخابات 93م لم يحصل الحزب الاشتراكي إلا على مقاعد المحافظات الجنوبية وأصبح الحزب في الخارطة السياسية الجديدة التي تشكلت بعد هذه الانتخابات في المرتبة الثالث بعد حزب الإصلاح الإسلامي الذي حل ثاني بعد المؤتمر الشعبي العام وبعدها دبت الخلافات بين الرئيس ونائبه ووصلوا إلى وثيقة العهد والاتفاق .

, ولكنه لم يكن موفقاً في ذلك وسعى إلى وثيقة ستظل مهما كانت قوتها القانونية دون الدستور ولهذا فإن التخلي عنها أو الإخلال بها من قبل أي طرف سيكون أسهل من الإخلال بالدستور .

خلصت هذه الأزمة إلى الحرب المشهودة عام 94م والتي سعى فيها قيادة الحزب الاشتراكي إلى العودة بالجنوب إلى ما قبل 90م منفردين دون مشاركة أخوانهم الجنوبيين الآخرين ولهذا فإن من غير المعقول أن يسمح  أبناء الجنوب المخالفين للحزب الاشتراكي بمرور هذا المشروع الذي بموجبه سيظلون مشردين خارج وطنهم الجنوب إذا كتب له النجاح ولهذا فإنهم في طلائع المتصدين للمشروع الانفصالي وقاتلوا على مختلف الجبهات  يساندهم دعم جماهيري جنوبي في المحافظات حتى تم إسقاط هذا المشروع وخروج الحزب الاشتراكي من معادلة الحكم والحياة السياسية .

بعد حرب 94م توحد القرار السياسي وترك شريك الوحدة الحزب الاشتراكي كل مواقعه القيادية في الدولة على مستوى مختلف الأجهزة العليا والوسطى والدنيا في القطاعين المدني والعسكري , وكان يفترض أن تمكن هذه المواقع المختلفة بجنوبيين آخرين ليتحقق التوازن المطلوب , إلا أن ذلك لم يحدث كما ينبغي ولم يستطع الجنوبيون المدافعين على الوحدة أحداث التوازن المطلوب أو لم يتم لهم ذلك.

, وبرغم ذلك فإن عامة الشعب في الجنوب لم يفقدوا الأمل في أن تسود دولة النظام والقانون في العهد الجديد بعد 94م خاصة وأن الرئيس السابق كان في حينها لا زال يحظى بدعم واسع في الجنوب وقبلوا بقيادته للبلاد للسير بها إلى مستقبل أفضل ومعالجة كل مشاكل الماضي .

ونحن نعتقد أن الفترة من 94-2004م هي الفترة الذهبية التي منحت للرئيس السابق والذي كان بإمكانه نقل الجنوب وبأبنائه واليمن عامة إلى دولة حقيقية يسود فيها النظام والقانون وكان بإمكانه أن يعالج كل مشاكل الجنوب المتراكمة وأن يحافظ على ما تحقق من مكاسب للجنوبيين ولكن للأسف الشديد أن ما حدث خالف في معظمه ما كان يتوقعه الجميع ويبدوا أن الرئيس السابق خضع لمراكز النفوذ والشراكة الشماليين ( مشائخ القبائل – القادة العسكريين وغيرهم ) اللذين تعاملوا مع كل الجنوب من أراضي وعقارات وشركات نفطية ومناصب سيادية إيراديه وغيرها كمغانم ومارسوا ا لنهب المنظم وجسدوا ثقافة الاستعلاء على الآخرين معتقدين أنه لا يمكن أن يرتفع صوت الجنوبيين في يوماً من الأيام لأنهم عبارة عن جماعات متناحرة لا يقبل بعضها بعضاً ومن الصعب أن يجتمعوا على موقف واحد وراهنوا على أن الأيام والسنين كفيلة أن تجعل الجنوبيين يتعايشوا مع هذه المظالم.

ولكن الأنصاف يجعلنا نقول أن الرئيس السابق بصفته المسئول الأول عن البلاد يتحمل المسئولية ولا يُعفى منها حتى وأن سلمنا بأنه خضع لمراكز النفوذ أعلاه , كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن الشركاء الجنوبيين بعد حرب 94 م يتحملون جزء من المسئولية في ما حدث في الجنوب حيث أنهم لم يحدثوا التوازن المفترض ولم يملئوا الفراغ الكبير الذي تركه غياب الحزب الاشتراكي وكوادره في مختلف مواقع الدولة في القطاعين المدني والعسكري ولم يحرصوا على فتح ملفات ما قبل الوحدة التي أشرنا إليها في ما سبق من هذه الرؤية للنظر فيها ومعالجتها واكتفوا فيما يبدوا بالحفاظ على المكاسب البسيطة التي حصلوا عليها كقيادات مع تبني ومعالجات لبعض المشاكل الصغيرة والفردية في الجنوب  .

ويمكن تلخيص فترة ما حدث بعد حرب 94م بأنه سؤ إدارة لشئون البلاد والعباد تم على أثرها تنفيذ أجندة منظمة لاستهداف الجنوبيين وإخراجهم من دائرة الفعل والتأثير في الحياة العامة وهذا تم من قبل فريق في دائرة صناعة القرار أوصلنا جميعاً إلى ما نحن فيه اليوم .

وحتى لا نغفل عن المرحلة الأخيرة من ذروة تفاعلات القضية الجنوبية فهي دون شك بدأت من جمعية ردفان بعدن عام 2006م ومن ثم تجمعات المتقاعدين العسكريين بقيادة ناصر النوبة ورغم محاولات الدولة وضع المعالجات حينها إلا أن الأمور كانت تتسارع بشكل لم يعد بالإمكان ملاحقته بأية حلول ترقيعية حيث أصبحت ككرة الثلج تزداد حجماً كلما زاد تدحرجها .

وأصبح من الصعب التنبؤ بأي معالجات ممكنة خاصة بعد أن تحولت القضية الجنوبية جذرياً إلى قضية سياسية بامتياز  ومثل عام 2007م عام مفصلياً في تاريخ القضية الجنوبية من خلال غضب جماهيري ظهر إلى السطح بعد كتمان وأنين لفترات صمت طويلة , وأختتم هذا التتويج بالإقرار بالقضية الجنوبية وضرورة حلها الحل العادل من خلال  المبادرة الخليجية والتي نحن اليوم نجلس على طاولة الحوار جميعاً لمناقشة هذه القضية بداءً من جذورها ثم محتواها ثم معالجتها ثم ضمان عدم تكرارها .

الخلاصة :
1)  أن دورات الصراع السياسي الجنوبي الجنوبي أفضت إلى ثقافة الإقصاء وإلغاء الأخر ولا زالت للأسف تتحكم في نهج وسلوكيات بعض النخب القيادية الجنوبية حتى اليوم .
2)  إن فتح ملفات الماضي جميعها في الجنوب ومناقشتها بموضوعية وشفافية وصدق الغرض منها أخذ العبرة ليس إلا حتى يتم جبر الضرر وتطييب النفوس وإغلاق ومعالجة كل المشاكل .
3)    أن الجميع في الجنوب من القيادات مسئولون مسئولية كاملة تشاركيه عن كل ما حدث
4)  أن نظام ما بعد 94م وعلى رأسهم الرئيس السابق وشركاءه من حزب الإصلاح ومراكز القوى المشيخية والعسكرية وكذا القيادات الجنوبية المشاركة خلال هذه المرحلة يتحملون المسئولية وحدهم عن خاتمة الأمور وما آلة إليه الأوضاع .

5)ان الجميع والمقصود هنا أنا وانتم جميعاً مسئولون أيضا فلنا دور ومشاركه في كل ما حصل في الجنوب من انتهاكات ومظالم وكذلك ما حصل في صعده من انتهاكات ومظالم سواء كنا من شمال او جنوب الوطن ومسئوليتنا تكن بــــ ,,,الصمـــــــــت,,
وعدم نصره المظلوم حتى وان كان بأضعف الوسائل وهي,,,الكلمة,,,الصادقة  لنصره المظلومين في الشمال والجنوب.

إذا الجميع مسئول عما حدث وكلاً بقدره وعلينا جميعاً تحمل مسئولية الحلول والمعالجات لأننا اليوم لسنا بصدد محاسبة أحد أو جهة مما ذكرنا بل نحن بصدد عرض تاريخي لجذور هذه القضية التي تعتبر القضية الأم لكل قضايا اليمن والتي بحلها ستحل مشاكل اليمن كافة بأذن الله تعالى وبجهود الجميع .

نأمل أن نكون قد وفقنا فيما عرضناه
ورعى الله اليمن وأهله وابعد عنه كل مكروه
ونرجو المعذرة أذا سهونا أو أخطاءنا
والله من وراء القصد

4/5/2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق