2013/09/27

تقرير جمال بن عمر الى مجلس الأمن الدولي 27 سبتمبر 2013

التقرير المقدم من جمال بنعمر
مساعد أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص
مجلس الأمن الدولي- الاجتماع رقم 7037

27 أيلول (سبتمبر) 2013

نيويورك

تقرير إلى الأمين العام بموجب قراري مجلس الأمن 2014 (2011) ،2051 (2012)
السيدة الرئيسة،
أصحاب المعالي والسعادة،

عدت للتوّ إلى نيويورك من أجل مخاطبة هذا المجلس بعد قضاء شهر واحد في اليمن خلال مهمتي الثالثة والعشرين. غادرت صنعاء حيث كنت أيسّر محادثات حول القضية الجنوبية، وهي قضية شائكة لا تزال قيد النقاش. من المهم جداً التأكيد لهذا المجلس أن العملية الانتقالية في اليمن بلغت منعطفاً حاسماً. وبينما يسير مؤتمر الحوار الوطني التاريخي على طريق إنجاز أعماله بتوصيات واعدة ترشد المسار المستقبلي لليمن، تواجه البلاد تحديات سياسية واقتصادية وإنسانية وأمنية كبيرة، ولا تزال هناك قضايا رئيسة عالقة.

رغم ذلك، ثمة إنجازات . فقد شكل مؤتمر الحوار الوطني الأول من نوعه في اليمن والمنطقة، دفعاً لحوار سلمي وشامل ومجدٍ بين أطراف متنوعة، وأحضر أطرافاً جديدة إلى العملية السياسية مثل ممثلي الشباب  والنساء والمجتمع المدني، وأنصار الله (الحوثيين)، والحراك الجنوبي السلمي. لم يوفر مؤتمر الحوار مجرد فرصة لمجموعات مهّمشة سابقاً للمشاركة في نقاشات جدية ومدروسة حول مستقبل اليمن، لكنه جمع آذلك أطرافاً متنازعة سابقاً للتفاوض على حلول ومعالجة مظالم تاريخية من أجل المضي نحو مستقبل أكثر إشراقاً وديمقراطية لجميع اليمنيين.

حقق مؤتمر الحوار تقدماً استثنائياً منذ إطلاقه 18 آذار (مارس). وفي الأشهر الستة الماضية، انخرط 565 عضواً يمثلون شرائح من مختلف مكوّنات المجتمع اليمني في نقاشات بناءة ومفتوحة وجوهرية حول التحديات الرئيسة التي تواجه البلاد. وأرسى التركيز على قضايا رئيسة وجدلية متعلقة بالحوكمة في اليمن أسس عقد اجتماعي جديد، إضافة إلى إطار قانوني مبني على الكرامة والمساواة وحقوق الإنسان وحكم القانون. في الحقيقة، أنجز نحو 90 في المئة من مهام مؤتمر الحوار، حيث أنهت ستة فرق عمل من أصل تسعة تقاريرها.

يشكل مجمل التوصيات التي أنتجها مؤتمر الحوار برنامج عمل لبناء اكثر أمناً وعدلاًً وازدهاراً. وتتضمن التوصيات إجراءات لضمان حوكمة منفتحة ومسؤولة، ومشاركة أكبر للنساء في صنع القرار، وتعزيز حماية  حقوق الإنسان. وفي الأسبوع الماضي، دعم فريقي مؤتمراً عنوانه  "شريكات في الحوار، شريكات في البناء وصنع القرار". 

والتقيت مكوّن النساء اللاتي أبلغنني برضاهم عن تحقيق أهداف رئيسة في مؤتمر الحوار، أهمها الاعتراف بحقوق المرأة وحمايتها، وإدراج هذه الحقوق في الدستور الجديد لضمان المساواة، وضمان تمثيل نسبته 30 في المئة للنساء في سلطات الحكم الثلاث. وهذا استثنائي فعلاً، خصوصاً في جزء من العالم يعاني انتقاصاً واضحاً من حقوق النساء ومن المساواة بين الجنسين.

ساعدت جهود فريقيْ عمل القضية الجنوبية وصعدة تحديداً في بلورة جذور النزاعات والمظالم التي لحقت بالشعب جراء الحرب في تلك المناطق. سوف يتيح هذا للدولة التخفيف من حدة الظروف التي ساهمت في إشعال النزاعات الماضية ومعالجة المظالم الناجمة عنها. في الحقيقة، توصّل فريق عمل قضية صعدة إلى اتفاق على نحو 70 مخرجاً وضمانة تنفيذية لمعالجة المسائل المتعلقة بقضية صعدة.

يستحقّ جميع المتحاورين الثناء لجدّهم وتفانيهم ودأبهم من أجل أهداف مؤتمر الحوار. أودّ الإشادة بشكل خاص في مساهمات ممثلي الشباب والنساء والمجتمع المدني، الذين شكل حماسهم وطاقتهم وإبداعهم المحرّك  الذي دفع الحوار قدماً. وساهمت في إغناء عملية الحوار بشكل كبير المدخلات والأفكار التي قدمها كثير من المواطنين في أنحاء البلاد، عبر مشاركتهم في نقاشات مفتوحة واجتماعات عامة وعبر وسائل الإعلام.

من المهم أن نتذكر أنّ مؤتمر الحوار ليس سوى خطوة واحدة في العملية الانتقالية. ولم يكن يفترض أبداً أن يقدّم حلولاً لجميع المشكلات في اليمن، بل كان مصمّماً كجزء من عملية تحوّل سياسي أوسع وأطول مدى. وكما  يعلم هذا المجلس جيداً، حصل تأخير في تطبيق المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية (اتفاق نقل السلطة)، ما أثر على الجدول الزمني الضيق أصلاً. ويعود هذا إلى استغراق بعض المهام وقتاً أكثر من المتوقع، ووجود عرقلة  في بعض الأحيان.

بناء على ذلك، تعدّل الجدول الزمني حتماً. ويبقى بضعة أشهر فقط لإنجاز مهام استغرقت سنوات في بلدان أخرى، تتضمّن إنهاء مؤتمر الحوار ووضع دستور جديد وتبنّيه وإجراء انتخابات عامة. آلّ هذا يعني مفاوضات معقّدة وتحضيرات تقنية ومشاورات عامة من أجل تحقيق توافق. لكنّ الأهم أن يستمرّ التقدم عبر إنجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية التي رسمتها الآلية التنفيذية.

تؤكد الصعوبات التي واجهت مؤتمر الحوار الوطني في أسابيعه المنصرمة أهمية معالجة القضية الجنوبية بشكل عادل. ففي الأسابيع الأخيرة، علق ممثلو الحراك الجنوبي السلمي مشاركتهم في مؤتمر الحوار نحو شهر، احتجاجاً على عدم معالجة مظالم الشعب في الجنوب وتلبية تطلعاته المشروعة. في الواقع، ثمة إجماع في اليمن أنّ الجنوب عانى نحو عقدين من التمييز والتهميش. لكن ممثلي الحراك أقنعوا في العودة إلى مؤتمر الحوار، بعد تعهّدات إضافية من الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة بتطبيق سريع لإجراءات بناء الثقة في الجنوب. في هذا الإطار، وافق ممثلو الحراك ومكوّنات أخرى على بدء محادثات لحل قضيتيْ شكل الدولة ووضع الجنوب المثيرتيْن للجدل.

منذ 10 أيلول (سبتمبر)، وبناء على طلب الأطراف السياسية، أيسّر محادثات تهدف إلى إيجاد حلّ توافقي للقضية الجنوبية. وقد شدّدت خلالها على أن اليمنيين هم أصحاب القرار، وأنهم سيتحمّلون نتائج الخيارات التي  يتخذونها على المدى الطويل. ويسعدني أن أبلغكم أنّ هناك تقدماً واتجاهاً للتوافق على مجموعة مبادىء ورؤية لبناء هيكل جديد لدولة اتحادية، مبنية على مقترحات قدّمتها مختلف المكوّنات، وذلك رغم استمرار النقاشات  حول عدد الأقاليم الاتحادية وحدودها. وتوجد مساع للتوافق على مجموعة قضايا إضافية حساسة، تتضمن الموارد الطبيعية وتشارك السلطة وتوزيعها على مستويات اتحادية وإقليمية ومحلية.

يعتمد التزام الجنوبيين دعم الرؤية الجديدة ليمن اتحادي بشكل كبير خطوات سريعة وواضحة من قبل الحكومة لمعالجة مظالم الماضي، وعلى ضمانات بعدم العودة إلى ذلك الماضي. ولهذه الغاية، من الضروري تطبيق  ما تبقى من إجراءات بناء الثقة (المعروفة بالنقاط العشرين والإحدى عشرة)، من دون أيّ تأخير ووفق جدول زمني واضح.

في هذا السياق، أرحّب بخطة عمل حكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة لتطبيق النقاط العشرين والإحدى عشرة، وباعتذارها للشعب في الجنوب وصعدة عن انتهاكات ارتكبت خلال النزاعات في الماضي. وأثني كذلك على العمل المتواصل للجنتيْن المعنيتيْن بمعالجة الاستيلاء غير المشروع على الأراضي والصرف التعسفي من الجيش والأمن والخدمة المدنية في الجنوب. ويسرّني أن دولة قطر تعهّدت في هذه المرحلة الدقيقة مبلغ 350 مليون دولار لدعم جبر الضرر والتعويض على الجنوبيين. وآمل أن تحذو دول أخرى حذوها.

يجب ألا يُسمح للصعوبات التي واجهها مؤتمر الحوار أخيراً أن تعرّض المكاسب المحققة حتى الآن للخطر. لا بدّ من الحفاظ على هذه المكاسب وعلى المسار التقدميّ، عبر المضي سريعاً نحو المراحل المقبلة من العملية  الانتقالية. نادراً ما تكون المرحلة الأخيرة لعملية سياسية من هذا النوع والحجم سهلة، حيث تصل الأطراف محطة تتطلب اتخاذ قرارات صعبة حول قضايا حساسة ومعقدة. ومؤتمر الحوار الوطني ليس بمنأى عن ذلك. لسوء الحظ، وآما يعرف المجلس، هناك مساع لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، تقوّض الثقة في الانتقال السياسي. وفي هذا الصدد، المطلوب من جميع الأطراف مواصلة تقديم تنازلات متبادلة والتعامل بحسن النية.

تتجمّع حممٌ ممانعة تحت الرماد في اليمن. لكني في هذه المرحلة، لا أزال آمل أن يتعاون جميع الأطراف بحسن نية لإنجاح مؤتمر الحوار، ولكي لا أضطر لاحقاً إلى الغوص في دهاليز سلوآيات البعض أمام مجلس الأمن.

وكما أكد القراران 2014 (2011) و2051 (2012)، يجب على جميع الأطراف التزام حلّ اختلافاتهم عبر الحوار والتشاور، ونبذ اللجوء إلى أعمال عنف لتحقيق أغراض سياسية، والامتناع عن الاستفزازات، والتعاون  في تطبيق اتفاق نقل السلطة. بتوقيعها هذا الاتفاق، أقرّت الأطراف أن الانتقال السلمي يجب أن يشكل قطيعة كاملة مع الماضي ونقلاً كاملاً للسلطة إلى حكومة جديدة في اليمن.

بناء على التوافق الناشىء على نظام اتحادي، يتواصل نقاش اليمنيين حول الحاجة إلى ما يسمّونه الآن "مرحلة تأسيسية" لتوفير الوقت اللازم عبر مخرجات واضحة وموارد وإمكانات للانتقال إلى دولة اتحادية.

بالفعل، قدّم بعض الأطراف مقترحات ل"مرحلة تأسيسية"، تركز على الحاجة إلى تشاركية أكبر وتوزيع أفضل للسلطة. أثارت هذه النقاشات أسئلة حول توقيت الانتخابات وطبيعتها. ويصرّ البعض على ضرورة الاتفاق على  جميع تفاصيل الشكل الجديد للدولة الآن.

ان مؤتمر الحوار الوطني لم يكن مصمّماً أبداً لمواجهة التحديات في اليمن دفعة واحدة، بل يُفترض أن ينتهي باتفاق عام على مجموعة مبادىء حول تسع قضايا محورية تشكل موجّهات لمرحلة صوغ الدستور، وهي خطوة أخرى في العملية الانتقالية. سوف يتطلب بعض القضايا متابعة وجهوداً بعد انتهاء مؤتمر الحوار، عبر مسارات تفاوضية أخرى تكون تشارآية فعلاً وتتزامن مع عملية صوغ الدستور. علاوة على ذلك، تتطلب معالجة قضايا أخرى سنّ تشريعات لاحقة وسياسات حكومية وخططاً وبرامج.

في المحصّلة، مؤتمر الحوار الوطني ليس ترياقاً أو غاية في حدّ ذاته، بل وسيلة تمكّن اليمنيين من إرساء أسس عملية سياسية أكثر تشاركية، والتوافق على مبادىء عامة وإطلاق عمليات لحلّ النزاعات المزمنة.

يبدو أن البعض لا يرغب في إنهاء مؤتمر الحوار إلى حين اتضاح جميع التفاصيل المتعلقة في ما بعد المؤتمر وفي ترتيبات المرحلة "التأسيسية" وشكل الدولة الاتحادية المستقبلية، والاتفاق عليها. أرى من المهم التعامل مع هذه القضايا خطوة تلو الأخرى، وإيلاء الأولوية لإنهاء مؤتمر الحوار. فالشعب اليمني يتطلع إلى هذه المخرجات لضمان تقدّم العملية الانتقالية.
تحدث هذه التطورات السياسية وسط تحديات إنسانية واقتصادية وأمنية جمّة. ورغم ارتفاع توقعات الشعب اليمني من العملية الانتقالية السلمية، يحتاج نحو 13 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد السكان، مساعدات إنسانية اليوم. وتقف جذور ضعف التنمية وراء هشاشة الوضع في اليمن، سيما الفقر وسوء التغذية الحاد ونقص المياه وقلة الخدمات الحكومية.

ينبغي دعم جهود حكومة الوفاق الوطني لمواجهة الأسباب الكامنة للأزمة الإنسانية ومواجهة تحديات التنمية في البلاد. وأودّ أن أنتهز الفرصة هنا للترحيب في قرار رئاسي قضى بتأسيس مجلس مكافحة الفساد، وفي موافقة الحكومة على خطة عمل للقضاء على "الموظفين الوهميين" و"الازدواج الوظيفي".

لا يزال الوضع الأمني هشاً في أجزاء من اليمن، ولا يزال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يشكل تهديداً كبيراً. فقد نفذ خلال الأسبوع الماضي هجمات كبيرة في محافظة شبوة، أوقعت عشرات القتلى. في حين تستمر الاغتيالات مستهدفة كبار الضباط العسكريين، وكذلك عمليات الاختطاف.

في الشمال، وردت أنباء عن مقتل العشرات خلال الأسابيع الماضية جراء اشتباكات بين مجموعات مسلحة في محافظتي صعدة وعمران. نحن نراقب الوضع عن كثب، ونتواصل مع قيادات الأطراف المعنية.

كذلك، تستمر الحملة المستعرة على البنى التحتية. حيث تضاعفت أعمال التخريب والهجمات المتكررة على منشآت البنى التحتية وخطوط الكهرباء وأنابيب النفط والغاز، مكلفة الحكومة خسائر بمئات ملايين الدولارات. ويطالب الشعب اليمني بتقديم المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية إلى العدالة.

قلت في السابق ما يستحقّ التكرار: إنّ اليمن يبقى حتى اليوم البلد الوحيد من بلدان الربيع العربي الذي يشهد عملية انتقالية تفاوضية وسلمية، وإنّ مؤتمر الحوار الوطني هو العملية الأكثر أصالة وشفافية وتشاركية في المنطقة العربية على الإطلاق. يمكن لهذا النموذج من الحوار والنقاشات حول تأسيس حكومة ديمقراطية مبنية على الإرادة الشعبية أن يكون ملهماً لعمليات انتقالية أخرى في العالم العربي وسواه. فهو إنجاز فريد لا بدّ أن يفتخر فيه اليمنيون، الذين أظهروا للعالم العربي ما يمكن تحقيقه عند التزام التغيير السلمي.

خلاصة القول، لا بدّ من إنهاء مؤتمر الحوار الوطني من أجل تقدّم العملية الانتقالية. ويعود الفضل فيما تحقق بشكل كبير إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أظهر التزاماً وإصراراً لا يتزعزع على القيادة والمضيّ نحو  إنهاء عملية الانتقال السياسي، رغم كلّ العقبات. إنه يستحق كلّ دعمنا.

ينظر العالم اليوم إلى اليمن ليرى ما إذا كان سيمضي في الطريق الواعد الذي بدأه. وحين يُختتم مؤتمر الحوار الوطني، سوف تبرز تحديات أخرى أمام تطبيق الاتفاقات التي تم توصّل إليها. وفي هذا السياق، سمعت رسالة واحدة خلال زيارتي الأخيرة أن اليمنيين يعوّلون على مجلس الأمن لمواصلة دعمه الموحد لانتقالهم إلى المرحلة المقبلة.

لطالما كان الدعم القوي والمستدام من قبل المجتمع الدولي، تحديداً مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي ومجموعة أصدقاء اليمن ومجلس الأمن، أساسياً لليمن. وأخصّ بالثناء الدور القيادي لأمين عام مجلس التعاون الدكتور عبد اللطيف الزياني، إضافة إلى المملكة العربية السعودية في رئاسة أصدقاء اليمن، كونها أكبر المانحين وأوّل من نفذ تعهداته. وأودّ أن أشكر كذلك السلك الدبلوماسي الفاعل في صنعاء على جهوده. وأقول للجميع إن اليمنيين يعوّلون على المجتمع الدولي لمواصلة دعمه الموحّد لبلادهم. ونحن في الأمم المتحدة، سوف نواصل تقديم الخبرات والتيسير والنصح، وفق الحاجة وبتعاون وثيق مع شركائنا، لدعم إنجاح العملية الانتقالية في اليمن.  شكراً لكم