2013/05/25

رؤية حزب الحق لجذور قضية صعدة

مـــــقدمــــــــة:

تعتبر قضية صعده أكبر وأخطر الجروح دموية وأثاراً لأنها هددت وتهدد النسيج الاجتماعي اليمني الذي لم يعرف في تاريخه الدامي حروباً مذهبية ذات صبغة عرقية كما حاول ولا يزال بعضهم تحويل قضية صعده إليها، يؤكد هذا أي استعراض للخطاب الاعلامي الذي رافق الحروب الست التي قتلت الآلاف من ابناء اليمن مواطنين كانوا أو جنود ورملت ويتمت الالاف ودمرت البيوت والمزارع والمساجد وهجرت عشرات الالاف من أبناء المحافظات الشمالية.

فمنذ ثورة 26 سبتمبر 1962، وقيام النظام الجمهوري برزت لغة عنصرية تستهدف الهاشميين كسلالة و الزيدية كفكر ومذهب رغم أن70% من ضباط ثورة 26 سبتمبر هاشميون زيديون ومع هذا تعرضوا للإقصاء وتم استبعادهم من الوظائف والمناصب في المؤسسات المدنية والعسكرية على حد سواء واعتبرت صعدة -لعوامل مختلفة أهمها الجغرافيا- جيبا ملكيا ومازالت بعض القوى السياسية تعتبرها كذلك  بعد 51 عاما من قيام الثورة إلاأنها زادت حدة منذ العام 2004م لتطال حتى اقرب المقربين لرأس النظام الحاكم.

وقد مثل الوجود الزيدي في المحافظات الشمالية عائقاً أمام استمرار التوسع السعودي في الحدود اليمنية ما دفع السعودية لتأليب حلفائها بشن الحروب الفكرية أولا ثم الحرب العسكرية التي اعتمدت على التمويل السعودي كشاهد على أن المطامع السعودية في التوسع هي المحرك للقوى المذهبية والسياسية التي أعلنت الحرب على الزيدية منذ وجودها.


    الأسباب المباشرة للحرب

 تجنب الحرب مع القاعدة في المركز (تجنب الضغط الدولي بمحاربة الارهاب بفتح حرب مع غير القاعدة ليعتذر عن عجزه فتح جبهتين).

فتح ساحة للمعركة مع الشركاء بعيداً عن العاصمة .
استجابة للضغط السعودي وحلفائها في السلطة.


بداية الحرب

     بعد عودة الرئيس السابق علي صالح من قمة الثمان المنعقدة في الفترة من الـ8 وحتى الـ10 من يونيو2004م  والتزامه بمحاربة القاعدة تهرب من هذا الالتزام القريب من المركز- أو جُر- إلى فتح جبهة حرب في صعدة بعد أسبوع من عودته أي في الـ 18-6-2004م  هروباً من الضغط الدولي واستجابة للضغط السعودي  المدعوم من شركاء السلطة كانت هي الحرب الأولى ضد ما أسمي بالتمرد الذي لم تعلنه الدولة إلا وفرق الجيش في محافظة صعدة تضرب المواطنين في عنف منقطع النظير،  لينتقل الصراع بين أجنحة السلطة إلى صعدة خصوصاَ وهي بعيدة عن المركز واستفادت قوى في السلطة لمنع استقواء مراكز القوى الأخرى في الحكم بالإضافة إلى مارا فق ذلك من صراع حول التوريث وقد جاء في برقية نشرها موقع ويكيليكس أن الحرب على القاعدة تأثرت عندما حولت الحكومة اليمنية موارد خاصة بمكافحة الإرهاب مولتها ودربتها الولايات المتحدة وبريطانيا إلى حربها ضد الحوثيين وقالت البرقية (تواصل الحكومة التي يزداد يأسها من هزيمة الحوثيين الإصرار على أن قتال الحوثيين عنصر مشروع من عمليات (مكافحة الإرهاب) وبالتالي تبرر استخدام قوات وحدة مكافحة الإرهاب في صعدة)  وأضافت البرقية ( وتكبدت وحدة مكافحة الإرهاب المنهكة التي لم تتدرب على مثل هذا النوع من الصراعات خسائر كبيرة وفوتت فرصا تدريبية (للقوات اليمنية) وأبعدت عن مهمتها الأساسية لقتال القاعدة في جزيرة العرب).


     وقد أشارالتقرير السري الذي أعده السفير الأمريكي السابق في صنعاء "سيش" في تاريخ 9-11-2009 حول التدخل السعودي في الحرب السادسة بين الحوثيين والحكومة اليمنية إلى استخدام العنصر المالي والارتزاق من قبل النظام السابق من وراء هذه الحرب وربط بين التدخل السعودي والبهجة اليمنية  حيث جاء ( تؤكد مصادر محلية أن المملكة العربية السعودية استأنفت شن غاراتها الجوية ضد المتمردين الحوثيين في منطقة جبل الدخان على الحدود السعودية اليمنية على الرغم من تصريحات للحكومة اليمنية تقول بعكس ذلك . وفي تحول غير مسبوق فالحوثيون الآن يعتبرون أنفسهم مدافعين عن سيادة اليمن ضد هجوم سعودي غير مبرر , فيما هناك إشارات عامة حول الرئيس صالح تشير إلى ابتهاجه بضلوع المملكة العربية السعودية في حربه ضد الحوثيين( وجاء في مكان آخر يتوقع السيد( س) بأن الحكومة اليمنية فاتحت المملكة العربية السعودية وطلبت منها الدعم لأنها تعاني من خسائر فادحة في صعدة. وبحسب ما صرحت به مصادر عسكرية فإن الحكومة اليمنية فقدت عدداً كبيراً من المواقع العسكرية في محافظة صعدةوقال بأن ذلك إخفاق تام. لهذا فإن الرئيس صالح يريد من المملكة العربية السعودية أن تشترك. وقد لاحظ السيد( س) بأن الرئيس صالح يفقد ثقته بقواته العسكرية الخاصة بشكل متزايد وهذا يعد سبباً آخر لحاجته للمساعدة السعودية.) وجاء (في الوقت الذي قد تنجح فيه الهجمات الجوية السعودية في دحر الحوثيين من معاقلهم على الحدود معها فليس من المؤكد أن يكون لمثل هذه الهجمات تأثير كبير على حرب صعدة ما لم يصاحبها غزو بري)!!! .


     فجأة اشتعلت الحرب العبثية الأولى في1862004مرغم أن الشهيد حسين بدر الدين الحوثي لم تنسب له حتى مخالفة للقانون (ولو خرق قانون المرور) ولم يرفض طلب الرئيس بالوصول الى صنعاء وهو الطلب الوحيد الذي تعلل به الرئيس السابق كشرط لمنع الحرب كما جاء فيرسالةالشهيد العلامة حسين بدر الدين الحوثي في 28-4- 2004م  لرئيس الجمهورية السابق علي صالح والتي تنفي كل تهم ادعاء الإمامة أو رفض الجمهورية أو حتى رفض مقابلة رئيس الجمهورية السابق نوردها بلا تعليق:

" بسم الله :صاحب الفخامة رئيس الجمهورية الأخ المشير علي عبد الله صالح ..... حياكم الله بعد التحية والاحترام وصل إلينا الوالد غالب المؤيد، والأخ يحيى بدر الدين الحوثي، والأخ الشيخ صالح علي الوجمان وتم التحدث معهم في أمور كثيرة ومنها ما ظهر منكم من انزعاج منا وقد أثار هذا استغرابنا لأنني متأكد أنه لم يحصل من جانبي ما يثير لديكم هذا الشعور، فنحن لا نعمل ضدكم، ونقدركم تقديراً كبيراً، وما أعمله إنما هو انطلاق من الواجب الديني والوطني ضد أعداء الدين والأمة أمريكا وإسرائيل، فلا تصغوا لتهويل المغرضين والمنافقين واطمئنوا من جانبنا فنحن لا نكيد لكم ولا نتآمر عليكم،وماضينا وحاضرنا يشهد بهذا ويفضح المغرضين، وثقوا أننا أنصح لكم وأقرب إليكم وأصدق معكم.وعند لقائنا بكم إن شاء الله سيتم التحدث معكم في الأمور التي تهمكم وتهم الجميع والإخوان سوف يوضحون لكم تفاصيل حديثنا معهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أخوكم/ حسين بدر الدين الحوثي  8 ربيع الأول 1425ھ ".


     ورغم أن جنود الأمن بمختلف مسمياتهم كانوا يلقون القبض على الشباب الذين يرددون الشعار في الجامع الكبير بصنعاء عام 2003م و2004م لم تصدر عن الشباب (المكبرين) أي مقاومة، فقد كانت أعمالهم كلها سلمية، ورغم ذلك ووجهوابالاعتقال والمطاردة التي لا تتوافق مع أبسط حقوقهم والإنسانية بل كانوا يلاقون أشد صور الامتهان عندما كان الجنود وبعض المخبرين والناس العاديون يقومون بضربهم وصفعهم على وجوههم بالأيدي وبعض الأحيان وبالأحذية ورغم ذلك لم يكونوا يبدون أي مقاومة حتى اتهمهم البعض بالجبن والخوف رغم ثبوت العكس فيما بعد.


     لقد هدف بعض رموز الحرب لإخلاء الساحة من أي مقاومة فكرية لانتشارهم، وشاركوا في إدارة العمليات العسكرية، وسعوا بكل ما أوتوا من قوة إلى عزل الهاشميين والزيدية عن محيطهم وواقعهم الاجتماعي وجر بعض القبائل و بعض حلفائهممنالسياسيين في المشتركإلىتبني نفس مواقفهم – رغم الموقف المتوازن عموما للمشترك الرافض ( فقط)  للحرب منذ بدايتها عبر بيانه الصادر في 28-6-2004م -هذا التوجه مثل جذرا مهما لتوسع دائرة الحرب واستمرارها.


     وقد أظهر فيها السيد حسين وأنصارهمقاومة شرسة لمعركة ظالمة مفروضة استمرت80 يوماً بلياليها-  وصاحبتها حملة إعلامية مهولة صورتها وكأنها حرب وجوديه للنظام الجمهوري وللسنة وللزيدية وللسلم الدولي ولاستقلال اليمن وللمقدسات الدينية الإسلامية الزيدية والسنية، لأن حسين الحوثي أتهم بكل التهم التي وجهت للخوارج على النظم الإسلامية المختلفة  ( كمدعي للنبوة والمهدية والإمامة وأنه شيعي إمامي رفع أعلام حزب الله في مران بدلا عن أعلام اليمن ويمثل خطرا على أمن اليمن والمملكة، وهو بترديد أتباعه الشعار يفرض على الولايات المتحدة احتلال اليمن إن لم يخرس، وهو يريدعودة بيت حميد الدين...) أحصاها أحد المهتمين حينهابـ25تهمة متناقضة غالباً فيما بينها. كشفت الحملة الإعلامية عما هو ابعد من مجرد استهداف حسين بدر الدين الحوثي لأنه ابتدع ترديد الشعار،فقد ذهب البعض إلى استثمار الحدث ليستهدف الوجود الزيدي فحول الحرب ضد الزيدية والهاشميين على كل المستويات حتى ضد أقرب المقربين للسلطة وخدامها وأدواتها وفق فرز سلالي وعرقي بغيض.


     كما تزامنت الحروب باستمرار التمدد السعودي المتواصل من حينه والمرتبط بالتمدد السياسي والجغرافي مستخدما البعد المذهبي ومستغلا هشاشة الدولة اليمنية وتبعيتها. وكانت الحروب الست في شمال الشمال التي قتلت الآف المواطنين وأبناء القوات المسلحة ودمرت الجيش وأرهقت الاقتصاد وأضعفت السيادة الوطنية لنجد أنفسنا أمام حالة غريبة لا نعتقد أن دولة في العالم عرفتها عبر تاريخيها وهي إعلان دولة جارة الحرب على جماعة وطنية ومشاركة الجيش الوطني في الحرب على مواطنيه خدمة للدولة الجارة وبدافع الحماية لها من عدو لا وجود له وتحويل المؤسسة الوطنية القوات المسلحة إلى متعهد لقتل أبناء الشعب لمن يدفع!!!!.


     في الأثناء ساهم إصرار قوى  السلطة السياسية رغم تناقضاتها على المتاجرة بالقضية والتقرب للسعودية بتقديم المبرر للسعودية باتهام تبعية حركة أنصار الله لإيران وحزب الله مع أن لا خلافات تذكر بين الأحزاب  اليمنية وإيران أو حزب الله الا ان هذا الاتهام والترويج له أدى  للتعاطف مع أنصار الله و مظلوميتهم الأمر الذي حقق عكس ما أرادته القوى السياسية أنفة الذكر وجر القوى الإقليمية للساحة، هذه الأسباب ومعرفتها يكشف أحد أهم الجذور الأساسية للقضية.


     نجح الجناح الذي سعى للحرب في الوقيعة بين الزيدية عموما والرئيس السابق، وأقام حاجزاَ من الفولاذ معمداَ بالدم والمعتقلات والمحاكمات والملاحقاتوتم الاستيلاء على المساجد ومصادرة الكتب وإغلاق المكتباتحتى شاع أو نقل عن الرئيس السابق علي صالح قوله أنه سيحول الهاشميين إلى أخدام، وأنه سيفركهم كالحصى وانه سيعيد تهجيرهم إلى قريش بل أن الماكينة الإعلامية لشركائه أشاعت أن السلطة فكرت في تصفية الهاشميين من الوجودلولا أن بعض المقربين عدهم وأنسابهم بـ8 مليون يمني!. تمثل هذه المواقف المسبقة لدى قوى السلطة وفي مقدمتها الرجل الأول جذرا حقيقيا وجوهريا لما وصلت إليه الأوضاع  في صعدة؟.


     ومما يؤسف له أن قادة وعلماء وسياسيون محسوبون على الزيدية استجابوا بصورة أوأخرى  لدعوات حصر المعركة في مران و السيد حسين وكان من أهم ما صدر عنهم البيان الذي يستنكر الفكر الذي يدعو إليه الشهيد مقابل وعد كاذب من السلطة بإيقاف أي توجه للحرب حقنا للدماء ومنعا للدمار، وروج لضرورة التضحية به وبمن معه في مران وتركه لمصيره، كي لا تتضررعلاقتهم(بما يمثلونه) بشخص الرئيس السابق وحتى لا يخسروا مواقعهم ويحتلها آخرون، وكي لا يتيحوا للجناح الآخر في السلطة الفرصة ليحقق كل أهدافه من عزل الرئيس السابق عن حلفائه أوالتأثيرفي لعبة التوازن التي اعتمد عليها الرئيس السابق في استمراره كحاكم فرد مطلق يلجأ الكل إليه ويدافعون عنه خوفاً من طغيان جناح التوازن الآخر، وهو ما يمكن اعتباره جذرا  ثانويا حيث ظنت السلطة أن بمقدورها حسم المعركة وتوجيه رسالة لكل الأطراف مفادها بأنها لا زالت تمتلك القوة والحسم.!!


     ورغم الموقف المهادن من قبل بعض رموز الزيدية للسلطة في حروبها على صعده إلا ان الحرب لم تقتصر على(المقاتلين من أتباع السيد حسين الحوثي، ثم أخيه عبدالملك بل امتدت إلى كل ماهو زيدي وهاشمي إلا قله فقد كان الجميع عرضة للاعتقال والصرف من العمل، وتمت السيطرة على المساجد وفرضت السلطة تغيير هيئة الصلاة، والغي الأذان بحيا على خير العمل من التلفزيون الرسمي ومورس الضغط على اصحاب المحلات لتغيير الأسماء ذات الدلالة الفكرية(كالغدير) بما ذلك أسماء صوالين الحلاقة والمطاعم، وأعلن رئيس هيئة التفتيش القضائي الذي عين في الحركة القضائية عام 2005م أن هدف الحركة القضائية سياسي، وهذا ماتم ليس في القضاء فحسب بل والأكثر الدفاع والأمن.


     لم تراجع السلطة موقفها بل دفعها غرور امتلاك القوة إلى توسيع دائرة الخصوم بعد هذه الحرب والحروب الخمس التي تلتها فاتجهت إلى تسعير الطائفية و العنصرية بحق الزيدية و الهاشمية، و اتهم على نحو صريححزب الحق بالضلوع في "التمرد" بل اعتبر الحوثيين جناحه العسكري المسلح، وعمم أكثر باعتبارها الجناح العسكري للزيدية السياسية في صنعاء، وذهب فيما بعد لإعلان حل الحزب وإصابة العمل السياسي في مقتل، وطال إرهاب النظام الأقلام الحرة ووسائل الإعلام المختلفة التي تناولت حرب صعدة بنوع من النقد و الكشف عن المعلومات الميدانية الحقيقيةكاشفة لزيف التضليل و التعبئة غير المسئولة ، وكمم الأفواه  وهدد كثيرين  في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وأولادهم بهدف طمس الحقائق، هذا هو الجذر المتعلق بالأسباب التي دفعت أنصار الله للدفاع عن النفس والعرض والمعتقد.


     وهكذا استمر الحال في بقية الجولات،  فالجولة الثانية لهذه الحرب العبثية كانت في مارس من العام 2005م، واستمرت شهرين واستأنفتها السلطة في جولتها الثالثة في أواخر العام 2005محتى بداية العام 2006م، لتأتي بعد ذلك الجولة الرابعة والتي كانت أطول من سابقاتها، حيث انطلقت في فبراير من العام 2007م، واستمرت لنحو خمسة أشهر وعلى الرغم من إعلان وقفها في يوليو من العام نفسه إلا أن المواجهات غير المعلنة استمرت بشكل متقطع حتى بدأت مجدداً في جولتها الخامسة في مارس العام 2008م، لتتواصل حتى يوليو في نفس السنة ثم الجولة السادسة والأخيرة من هذه الحرب في أغسطس من العام 2009م والتي شاركت فيها القوات السعودية ومنيت بخسائر معيبة من جهة ومن جهة أخرى كشفت البعد الإقليمي لهذه الحروب،  في المقابل كان أنصار الله يؤكدون عدم رغبتهم خوض أي منها ويجنحون للسلم كلما دعت له السلطة نتيجة الهزائم التي تتكبدها قوات النظام التي زجت في حروب بلا أهداف لكنها كانت في إطار معركة كسر العظم التي مارستها قوى السلطة ضد بعضها وصدرتها إلى صعدة وشكلت جذرا حقيقيا متغيراته المختلفة أو معظمها كانت خارج النطاق الجغرافي للحرب. 


العمق التاريخي:


     التخوف السعودي  بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران مما سمي بتصدير الثورة الاسلامية في إيران الذي لاتزال بعض القوى السياسية ترددهبهدف دفع السعودية إلى مضاعفة الجهدلفرض الفكر الوهابي وتأسيس ودعم المعاهد العلمية التي تبنت المذهب الحنبلي والعقيدة السلفية برؤية محمد عبدالوهاب ودعم المراكز والمنابر الحاضنة له مقابل إلغاء الزيدية ومحاربتها بشتى الوسائل في اليمن عموما وفي صعدة على وجه الخصوص.


     استخدمانبهار بعض الشباب الحركي في صعدة - ككل اليمنيين الأسوياء-  بالثورة الإسلامية العظيمة في إيران، وبشخصية الإمام الراحل السيد الخميني(رحمه الله ) وحزب اللهكمبررللسعودية  في ضغطها على السلطة إعلان الحرب على شباب صعدة، ثم مشاركتها الفعلية في الحرب.


     ضاعفت السعودية من دعمهاللحركة السلفية والإخوان رداً على الموقف المؤيد والداعم للوحدة اليمنية عام 1990م من قبل علماء المذاهب الإسلامية الزيدية والشافعية و الأحناف في مواجهة الحملة السعووهابية على الوحدة تحت مبرر مزعوم وهو كفر الدستور الذي قامت عليه الوحدة.


     بعد الوحدة عام 1990م كان الإعلان عن مولد(حزب الحق) بصيغة جمعت أغلب علماءمختلف المذاهب الإسلامية المتواجدة في اليمن،الذين اجتمعوا على إقرار أهداف حزب الحق، وبعدإعلان الأهداف عقدالحزب مؤتمره التأسيسي في مدينة صعدة بمخيم الفتح عام 1991م بحضورأكثر من خمسة وعشرين ألفاً من أعضاءالحزب واستمرلثلاثة أيام أقرت فيه الأهداف واللائحة التنظيمية وتأكيد انتخاب رئيس الحزب ورئيسا لهيئة العليا ونائبه ومستشارالحزب والأمينالعام والأمينين العامين المساعدين وإقراررؤساء دوائراللجنة التنفيذية،وقدحقق المؤتمر نجاحاً منقطع النظير بالرغم من محاولة السلطة قطع الطريق ووضع الكمائن أمام وصول الكثيرمن قيادات الحزب في صنعاء وغيرها من المحافظات.


     ضخامة مخيم الفتح – المؤتمر التأسيسي لحزب الحق عام 1991م- ونجاحه اثار ردود فعل عدوانية تمثل أبرزها في: استهداف قيادات الحزب بمحاولة التصفيةالجسدية وكان أكثره معرضة لذلك العلامة المجاهد بدر الدين الحوثي حتىوصلت الحرب ذروتها بقصف غرفته الخاصة بمنزله في صعدة، وقد تعرض حزب الحق في صعدة لنفس ماتعرض له الحزب الاشتراكي والجنوب في حرب صيف 1994مفقد  من مناطق تواجد حزب الحق القصف بمختلف أنواع الأسلحة، هذا التفكيك للأحزاب السياسية وهذه الحروب العبثية جذرت المشكلة وقضت على امال الناس في التغيير من خلال العمل السياسي.

 
     حاول الشهيد العلامة حسين بدر الدين الحوثي ممثل حزب الحق في البرلمان اليمني 1993-1997م تطوير عمل الحزب مؤسسيا والتعبير عن أفكاره وطموحاته في إصلاح الوطن من خلال العمل السياسي المؤسسي إلا أن ذلك باء بالفشل بفعل تهميش السلطة المنتصرة عقب الحرب الأهلية عام 1994م لكل القوى السياسية وزرع الخلافات داخل أحزاب وتفريخ أخرى، فأعلن الشهيد العلامة حسين بدر الدين الحوثي وآخرين معه استقالتهم عن الحزب نهايةعام1996م، وبعد انتهاء فترته في البرلمان 1997م أسقط هو والأستاذ عبدالله عيظة الرزامي في الانتخابات النيابية عام 1997مفسافر للدراسة العليا في جمهورية السودان وحصل على الماجستير وسجل للدكتوراه ولكن منحته قطعت فعاد إلى اليمن وكانت قد ترسخت قناعته بأن السلطة لا تؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير من خلال العمل والممارسة السياسية من خلال تجربته هو ورفيق دربه في البرلمان الأستاذ عبدالله عيظه الرزامي.

 
 الشعار (الصرخة):

      تزامنت عودة  الشهيد العلامة حسين بدر الدين الحوثي من السودان مع أحداث 11سبتمبرعام2001م ومع غزو أفغانستان ثم العراق فبدأ سلسلة محاضرات جذبتالبعض من منتدىالشباب المؤمنما أدى إلى الانقسام بين متمسك بمنهج المنتدى في التثقيف المعرفي وفق منهج معد سلفاً ومقر من العلامة بدرالدين الحوثي وبين منهج الشهيد العلامة حسين التعبوي الجهادي المستلهم من نصوص القرءان مباشرة وفكر قدماء أئمة أهل البيتالزيدية(كالإمام القاسم بن إبراهيم المعروف بالرسي وحفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم ) ومتأثرا بالنجاح المبهر للثورة الإسلامية في إيران ونموذج حزب الله من ناحية وبحركة الإخوان المسلمين والحركة السلفية كما تجسدت في نموذج التجمع اليمن للإصلاح في اليمن والجبهة القومية الإسلامية في السودان وحركة طالبان في أفغانستان،مستنداً إلى الظروف التي تمثلت في الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، والقمع الصهيوني المستمر للشعب الفلسطيني والاعتداءات المتكررة على لبنان، وما ترتب على ذلك من حالة الشعور بالحقد والخوف من تكرار ما حدث في العراق باليمن والجزيرة العربية بدعوى محاربة الإرهاب، وكانت دروسه حول عنوان ( الثقافة القرآنية ) تتحدث عن المسؤولية الدينية، إزاء المخاطر المحيطة بالأمة وأكثرها حضورا آنذاك الخطر الأمريكي، وعن ضرورة العمل من أجل الإسلام والتحصين من خطر أمريكا وإسرائيل خصوصا بعد أن تردد أن من أهم أسباب إقدام أمريكا على غزو العراق اعتقاد الإدارة الأمريكية ترحيب الشعب العراقي بالغزو نتيجة للصراعات التي خاضها نظام صدام مع الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، فأراد الشهيد إيصال رسالة مفادها أن الشعب اليمني يرفض أي غزو أمريكي لليمن.


     كانت فكرة الغزو الأمريكي لليمن متوقعة من الكثيرين لنشاط القاعدة فيها ولأنها كانت ممرا ومركزا لتدريب المجاهدين العرب إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، وعامل آخر لم يدركه الكثيرون وهو أن اختلاط المسلمين واليهود اليمنيين في صعدة بالذات كان قويا وكان اليهود يرددون أنهم سيحكمون اليمن بالقوة المسلحة وأن المسيح سيخرج من باب نجران بصعدة، ولم يكن المسلمون يهتمون لمثل هذه النبوات لاستحالتها عقلا، لكن الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان ونشاط السفير الأمريكي الأسبق في صعدة، والذي أشيع أنه يتركز في شراء الأسلحة كخطوة لتجريد أبناء صعدة من السلاح، كل ذلك عزز مخاوف أبناء صعدة من إمكانية حدوث ذلك، ولهذا جاءت فكرة ترديد الشعار (الصرخة) رفضا للوجود الأمريكي المهيمن على القرار السياسي وانتهاك السيادة اليمنية عسكريا وتعبئة للمجتمع ضده.


وبهذا الصدد فإن حزب الحق يرى أن الشعار جاء في لحظته التاريخية رفضا لاحتلال أفغانستان والعراق والتوجه لغزو اليمن واحتلاله.


     بدأ الشباب في ترديد  الشعار أوائل 2002م لكن صلاة الجمعة في جامع الإمام الهاديبمدينة صعده في العشر الأوائل من ذي الحجة 1422هجريه مطلع فبراير 2002م كانت على موعد مع ترديد الشعار بحضور الرئيس السابق والزنداني ومن يرافقهماوهما في طريقهما للحج كما قيل، ولم تمر سوى أيام بعد ذلك حتى شنت السلطة حملةاعتقالات همجية في أوساط مرددي الشعار رغم سلميتهم، من هنا بدأ جذر جديد للقضية وهو ترديد الشعار.


العمق السياسي:


     إن التفريط في السيادة الوطنية من قبل السلطة والقوى السياسية المؤثرة في المركز التي استمرأت مجاراة السلطة  والتغطية على العدوان وعدم الحديث عنه يعبر عن ضعف بنية المركز بدرجة سمحتللقوى الإقليمية والدولية بممارسة الضغط على صانع القرار  والدخول في حروب وتنفيذ أجندة خارجية لا مصلحة لليمن فيها وهو مايعد جذرا هاماَ  لقضية صعدة .


     جذر آخر ذو أهمية هوتوقيف ومنع أنصار الله لصفقات التهريب للأسلحة والممنوعات من الأراضي اليمنية الى الأراضي السعودية والتي كانت تديرها بعض  القيادات العسكرية العليا ما ساهم في استمرار المواجهة العسكرية تحت غطاء منع ما أسمي بالتمرد.
  
     غياب مؤسسات الدولة وان وجدت فهي ضعيفة نسرد كأمثلة على ذلك:


•    دور مجلس النواب ومواقفه المخزية من قرارات الحرب وكذا قراره برفع الحصانة عن يحي الحوثي عضو المجلس.


•    دور السلطة القضائية التابع لحكم الفرد حيث أسقطت الحصانة عن بعض القضاة وصمتت تجاه اعتقالهم لأسباب سلالية ومذهبية وعرقية ممقوتة.


•    غياب أي تحقيق واضح ونزيه من قبل السلطات المختصة لغياب المؤسسات.


•    غياب السلطة المحلية وغياب التنمية و البنى التحتية  وحرمان المحافظة من المشاريع الخدمية.


•    نهج السلطة في إدارة البلد بالأزمات وخلق الصراعات وتواطؤ قوى المركز فمعظم الوساطات - استخدم بعضها للغدر بالسيد حسين بدر الدين الحوثي-التي شاركت فيها قوى سياسية لم تنشر تقاريرها حتى الآن مع أن كثير منهم يدينون تعنت الحكومة لتمسكها بالعمل العسكري ويقولون ذلك في اللقاءات الخاصة بحسب ماجاء في برقية السفارة الأمريكية بتاريخ 12-02-2007 طبقا لويكليكس!!.


من هم أنصار الله (الحوثيون):


يرى حزب الحق أن الحركة العلمية ثم الجهادية التي بدأها السيد الشهيد العلامة حسين بدر الدين الحوثي وما درج على تسميتها بـ (الحوثيين) ثم (أنصار الله) هي حركة وطنية للإحياء الديني اعتبرت القران المصدر لفهم الرسالة الإسلامية وفهم الواقعبالقران متجنبة الخلافات المذهبية فقهيا وتاريخيا مستنيرة بالتراث الجهادي لأئمة آل البيت ورموز الأمة بصورة عامة مركزة على تحرير الأمة من التبعية للصهيونية العالمية الحاكمة للولايات المتحدة الأمريكية والمتحكمة في القرار الدولي وقد جعلت السيادة الوطنية أهم أهدافها واعتبرت أن التفريط فيها هو أس المشاكل التي تعاني منها الأمة.


     لهذا كانت الحركة ولا تزال شديدة الحرص على التعاون مع القوى الوطنية بما فيها السلطات التي قتلت شبابها مستجيبة لأي دعوة وطنية للحوار أو للسلام وتجنبت حتى منافسة أو منع الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م الأمر الذي أدى إلى إساءة فهم موقفها ففي الوقت الذي كانت فيه أيادي النظام لا تزال ملطخة بدماء شباب الحركة وأسرهم أسهمت الحركة بمجرد وقف الحرب عليها بتوفير الأجواء الآمنة لإجراء الانتخابات التي جددت لرأس النظام آنذاك الذي طالما أعلن العزم على إبادتهم وهكذا كانت مواقفهم منذ أن بدأت الحرب عليهم في مران 18-6-2004م وحتى قيام الثورة الشبابية الشعبيةالسلمية2011م.


     لقد كانت قضية صعدة كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة الشعبية الشبابية السلمية 2011م وساهمت فيما بعد في إسقاط النظام السابق وتحديدا أهم رموزه وهو الرئيس السابق علي صالح الذي حلم بتحويل اليمن إلى سلطنة أو مملكة وراثية وتعامل مع اليمن الشعب والمقدرات وكأنها ملكية خاصة به وبأقاربه وعصبته.

    النتائج الكارثية للحروب


إن الأضرار الناجمة عن حروب صعدة في جولاتها الست لم تتوقف عند الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، بل شملت كافة مرافق الحياة، فدمرت المنازل والأحياء السكنية وخربت المرافق الخدمية العامة وهدمت الجوامع والمدارس وتعرضت الأراضي الزراعية الشاسعة لخراب واسع مخطط أضعف اقتصاد المحافظة والوطن عموماًكان هدفه الأساسي تجويع أبناء المحافظة التي تعتبر بوابة اليمن الشمالية ورمزاً علمياً ودينياً وتراثياً لليمن بأسره،في حين أن الأرقام والإحصائيات الدقيقة عن حجم الخسائر والأضرار المادية التي خلفتها لا تزال غائبة.


أخيرا :يرى حزب الحق أن أنصار الله ومن خلال الحروب الست الظالمة التي شنت عليهم وعلى التيار الذي اعتبرته السلطة امتدادا لهم أصبحوا الممثل الوحيد لقضية صعدة التي لا تنحصر جغرافيا في صعدة بل تمتد إلى كل المحافظات التي يمثل ما عرف بتيار حزب الحق وجودا فيها، وقد تجاوز المحافظات الشمالية والوسطى إلى عمق الجنوبومالم يتم الالتفاتإلى كل تلك الجذور فإنه من الصعب توقع حل القضية من خلال مؤتمر الحوار الوطني أو بمجرد إصدار قرار بحلها أو نص قانوني يعتقد البعض أنه سيغطي جراحا أوسع بكثير من النطاق الجغرافي الذي امتدت فيه الحروب الست الظالمة والعبثية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق