حول العصبوية الهاشمية
محمود ياسين
كتبت البارحة كيف أنه من الحمق مباركة عنف الأمن القومي ضد الحوثيين، على
أن مبدأ نبذ العنف الرسمي هو كل لا يتجزأ، إذ يصبح من الهمجية بمكان
التواطؤ مع عمل همجي ضد مجموعة، أياً يكن ما نعرفه عن استعدادها لممارسة
العنف مستقبلاً.
في الغد أنا متيقن من ورطتنا مع الحوثيين، وقد
فقدنا الأمل بتحولهم لحزب سياسي، لحظة أن دقوا موسيقى المارش العسكري في
جنازة القائد حسين الحوثي، وببزات ميري رسمي، مفصحين عن هويتهم المستقبلية
التي ستكون نظيراً أو شكلاً من الندية المستقبلية للدولة، وتهديداً لأمننا
الاجتماعي، إذ ستكون الحوثية بشخصيتها الارستقراطية العسكرية، نموذجاً
ملهماً لكل النزاعات المناطقية السلالية الجهوية، لكنهم أمام الأمن القومي
تعرضوا لمجزرة بشخصيتهم كمعتصمين، وليتهم يعتمدون أسلوب الاعتصامات سعياً
لطموحاتهم، مستخدمين أنشطة مدنية من هذا النوع، ولو أمام أي جهاز، ولو
استخدموا صرختهم فذلك حقهم. المهم ألا يرفعوا السلاح، وهم كانوا مدنيين فقط
أثناء المذبحة، ولقد اعتمد خصومهم مباركة جهاز الأمن القومي، وتعميده
كمؤسسة وطنية، وحصن وطني، لمجرد أن ضحاياه هذه المرة حوثيون. وهو الجهاز
الذي كان متهماً عند هؤلاء حتى البارحة، ومبعث لمز، وشبهة علاقة استخدموه
ضد أغلب من كان يسير بعيداً عن ركب توليفة ما بعد صالح. الخطير هنا هو
استخدام أجهزة الدولة في هذه الصراعات، وتجنيد المتاح منها في احتدامات
خطوط التماس بين جماعات منطق صراعها طائفي عرقي، وليس استخدام أجهزة الدولة
في تصدي الدولة للجماعات الخارجة.
تتقدم الحوثية نحونا مهولة،
وصاعقة الخطى، بما نعرفه نحن نفسياً لمزاجها الصفوي المحتدم بقوة المظلومية
التاريخية، وبالطموح الارستقراطي الشافي.
ولقد بقي الأمر
متداولاً حول جوهر التكوين السلالي للحركة، باعتبار نواتها القيادية
هاشمية، بينما يبقى أمر الانتماء للحركة من خارج العائلة، أشبه بوجود
إصلاحيين كثر منتمين للتجمع اليمني للإصلاح، بينما تبقى نواته القيادية
للإخوان المسلمين، وحكراً عليهم.
لم أجرؤ على متابعة ما يكتبه
الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، مؤخراً، خشية أن ألمس جنوحاً عاطفياً أو
سلالياً لرجل لطالما احترمته كمثقف وسياسي يتمتع بحس وطني مسؤول. ولأن
الدكتور المتوكل أيضاً بقي عندي أشبه بمؤشر المقياس الآمن لانفعالات
وتموضعات المثقف الهاشمي، وإذا تجاوز صوته ذلك الخط الفاصل بين الوطنية
والتحيز، فذلك يعني أننا نواجه حالة الخطر.
لطالما كتبنا لفت
انتباه مبكراً لعبثية حصر الهاشميين في زاوية الخطيرين السلاليين الذين
يضمرون طموحاً وعصبوية، وعبثية تفسير أطروحاتهم وفقاً لهذا الحصر. لكن يبدو
أننا أمام حالة بالغة الحساسية، نلمح معها تحيزاً قاسياً للكثير من
المثقفين الذين لم أكن أحب حصرهم تحت مسمى هاشمي، لكن ثمة ظواهر مقلقة قد
تنسجم أحياناً مع ما كان مجرد شافعي، أو قريباً منها. شيء هكذا يؤكد ورطتنا
التاريخية الآن، ونحن نرى كتاباً لطالما اعتبروا حسين الحوثي لا يمثل غير
جبال مران، وباعتباره شاباً نقياً يتعرض لنزق نظام سياسي يحاربه ويحوله
لبطل.
حتى إن هؤلاء المثقفين الهاشميين كانوا يؤكدون افتقاره لأبسط مقومات
شخصية القائد أو السياسي، لكنهم أسموه القائد لاحقاً، وقد وجدوا في حياته
وموته القصة المثالية والرافعة الجاهزة لحمل طموحاتهم التي أخفقوا في
الاقتراب منها. هذا على أساس من أن هناك طموحاً هاشمياً عصبوياً جامعاً
يقتسمه المثقف والمقاتل وخطيب الجامع.
وإن لم يكن هذا الطموح
العصبوي الذي يضفي عليه خصومهم مسحة مكر وتربص شريرة، إلا أن ثمة واقعاً أو
أمراً واقعاً قد أصبح قيد الفعل، ولقد دارت العجلة الحوثية السلالية الآن
نحو السلطة، أياً يكن مستوى وجودها.
ولقد حصل الأمل في الأفئدة،
ويجدر بالدولة الحؤول بينهم وبين هذا الانجراف الذي تذكيه العاطفة التي
سيترتب عليها الأذى لشكل حياتنا الآمن، وربما لنفسيتنا الجماعية.
ذلك أن بسط نفوذ الدولة على كل منطقة يمنية، هو الحل الأمثل، والدافع
الوحيد نحو الخيار السياسي، باعتباره المتاح الوحيد للحوثيين ولغيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق